سي الناصر وقصبته الأسطورية …

95216937 3113908675338854 1337813936824647680 n

بقلم : الأستاذ الدكتور بومدين جلالي.


في ستينيات القرن الماضي، أذكر أنه كان يتجول في هدوء تام بين ثنايا شوارع مدينة البيّض بالمظهر الذي تعكسه هذه الصورة، وعندما يحلو له الأمر يجلس في مكان ما، وأحيانا يعانق قصبته العجيبة وينفخ فيها متلاعبا بأصابعه على المخارج الضابطة للتنغيم الصوتي بعبقرية فنان مبدع فتنتج ألحانا صحراوية رائعة جدا، فيها شيء من خصوصية المكان إضافة إلى مسحة مأساوية مرتبطة بما وصلت إليه ذاته التائهة في هذه الحياة التائهة …
كانت تلك المعزوفات الحزينة تصل إلى كل العابرين والعابرات فيلتفت بعضهم جهارا نهارا، ويبتسم بعضهم في استحياء، ويتألم بعضهم دون أن يقول شيئا، ويمر بعضهم كأن ما يسمعه ويراه لا حدث …
وقفت عصرئذ أمامه مرارا وأنا في طريقي من مؤسسة ابن باديس بقلب المدينة أين كنت تلميذا إلى البيت الأسري بحي الـﭬرابا الشعبي فأدركت بعفوية وتعمق إدراكي بتعاقب الأعوام والحقب أن أنغام ذلك الرجل اللغز تحيل على معزوفات الرياح الشتائية البيضية وتمتزج بما كنا نسمعه بألسنة كبار أسلافنا من حكايا السهوب وتخاريفها القادمة من جذور التاريخ …
بعض الناس كانوا يقولون عن هذا الرجل : إنه درويش ملهم كغيره من كبار الدراويش … وبعضهم كانوا يقولون : لا الأمر لا يتعلق بدروشة بل هو مجنون أصابه مس من الجن في لحظة من لحظات حياته … والقلة القليلة – ربما العارفة – كانوا يؤكدون أن ما يعيشه هذا الرجل ليس دروشة ولا جنونا بل هو فقدان للقدرات العقلية من جراء ما حدث له أثناء الثورة التحريرية . وبحسب هذه القلة لقد كان سي الناصر جنديا مجاهدا من أبطال الجزائر وألقت عليه فرنسا الاستعمارية القبض وبغية استنطاقه لقد عذبته عذابا ما بعده عذاب ففقد قدراته العقلية وأصبح بالصورة التى عرفه بها جيلي من أهل البيض …
اللهم اكتبه في عبادك الصالحين وارحمه وارحمنا معه برحمتك التي وسعت كل شيء … آمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ