بقلم/ الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بأداب الزقازيق
كان كارل ماركس(و غيره ممن يفسرون مسيرة التاريخ بعوامل اقتصادية و بالتالي اجتماعية)ينظر إلي الدين بوصفه وسيلة يستغلها الحكام و أصحاب المصالح،و المتواطئون معهم من رجال الدين لجعل الفقراء المطحونين من عامة الناس يرضخون لهم و يرضون بهذا الرضوخ.و بذلك يكون سكوت هؤلاء علي استغلال الظالمين لكونهم سكاري تحت تأثير الدين هذا المخدر العظيم!
و بذلك فقد اخترعت شتي أنواع الطقوس الاجتماعية و تأسست الشرائع لتحويل المظالم الاجتماعية إلي أنواع من العبادة و التقرب من الله و الفوز بالجنة مكافأة لهؤلاء علي صبرهم علي الابتلاءات!
فتحتَ شعار”التعويض الإلهي”ارتُكبت كل المظالم.أي أن الله سوف يعوضهم في الآخرة عما افتقدوه في هذه الدنيا التي لا تساوي عند الله نفسه جناح بعوضة.و لكننا لسنا مثل الله فقيمة الأشياء عندنا مختلفة عنها عند الله!
و لما كان ماركس و غيره من الماديين لا يؤمنون مثلنا بإله قادر علي التعويض نيابة عنا فإن المستطعفين لن يحصلوا في الحقيقة علي أي شيء لا في الدنيا و لا في الآخرة؛لسبب بسيط و هو أنه لا شيء يأتي بعدها!
و هذا هو الذي جعل ماركس يطلق عبارته الشهيرة:”الدين الأفيون الشعوب”.أي أن الدين بمثابة مخدر يُغيّب المعوزين المطحونين المظلومين…عن الوعي بالسبب الحقيقي لانسحاقهم تحت سنابك الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال الذين يستغلونهم في العمل و يتنازلون مع ذلك عن حقوقهم و المطالبة بها و الثورة عليهم.
و في عصرنا الحالي-و أكثر من أي عصر آخر- تطور توظيف الدين فأصبح فياجرا – فضلا عن كونه أفيونا- يتعاطاه كل عاجز اجتماعيا و نفسياً و علميا…و أصبحت مكانة الشخص- طبقا للتوظيف الحالي للدين – تقاس بمدي قدرته علي إقناع غيره بأنه تقي،و علي ارتداء لباس التقوي حتي لو كان لباسا لا يستر ما هو تحته.فإن شئتَ أن تكسب احترام غيرك أو بالأولي إذا أردت أن تصبح من أولي الأمر و النهي فما عليك إلا أن تتخذ لنفسك هيئة المتدين،و الأفضل هو أن ترفع شعارات سياسية معينة و تضع مسواكا في جيبك و ترتدي جلبابا قصيرا،و تحفف شاربك أو تمحوه محوا من الوجود لصالح إعفاء لحيتك برغم أنها مؤنثة و هو مذكر و هذا تناقض ظاهري!
و يا حبذا لو شاركت في التخطيط لقتل الآخرين و الأعظم أجرا عند الله هو أن تقتل نفسك لتقتلهم،و كلما أسرفت في القتل علَا – في زعمهم – مقامك عند ربك!
و مع ذلك فإن هناك تطابقا بين رؤية الماديين الملحدين و رؤية المتدينين الشكليين للدين:ففي جميع الأحوال يعد التدين الزائف أفيونا يغيب الوعي،و لكن المتدينين الشكليين ينظرون للدين بوصفه فياجرا اجتماعية و اقتصادية و سياسية… تمنح القوة و النفوذ للمتعاطين،في الوقت الذي يفعل فيه الأفيون فعله.
و هكذا يكون المتدين الشكلي قد جمع بين الأختين! فليته اكتفي بتعاطي الأفيون فقط،أي الدين بلغة الماديين الملحدين،حتي تكف يداه عن القتل و الاسراف فيه بدعوي أن له الولاية علي غيره بقوة هذه الفياجرا الزائفة.