..
بائعهالوطنوالعرض والدين
بسمه العزابي
في بيروت، استأجرت أمينة أو «آني موشيه» شقة في إحدى بنايات الروشة،
أجمل مناطق بيروت، ومن شرفة شقتها كان أمامها البحر اللانهائي، وعلى بعد خطوات منها يقع مقهى الدولشي فيتا أشهر مقاهي بيروت،
حيث المكان المفضّل للفنانين والمثقفين والجواسيس والسياح. كان الأمر الوحيد الذي يضايقها، انقطاع الحرارة عن الهاتف، فقصدت صديقتها الأردنية خديجة زهران، وطلبت منها المساعدة. اتصلت خديجة في الحال بمانويل عساف موظف التلفونات، الذي ذهب بنفسه إلى أمينة في اليوم التالي، ليؤكد لها أن المنطقة تعاني من بعض الأعطال بسبب تجديدات في الشبكة، ووعدها بأنه سيسعى في القريب للتوصل إلى حل. منحته أمينة خمسين ليرة ليهتم بالأمر، ولكي لا ينسى منحته جسدها أيضاً، إذ وجدت فيه صيداً سهلاً تستطيع من خلاله التوصل لهواتف وعناوين القادة الفلسطينيين، فهي باعت سابقا الدين والوطن والأهل، فلم تجد غضاضة في بيع نفسها لمانويل، الذي خر مستسلماً أمام امرأة جميلة تفوح من جسدها رائحة الأنوثة والرغبة، لقد شلت إرادته وأذهبت عقله وحاصرته، فلم يعد يملك حيلة للفرار. أقبل عليها في شراهة ونهم، باعتقاده أنه ظفر بأنثى جميلة، بينما تصرفت هي كجاسوسة محترفة، بدت بين أحضانه في أقصى حالات الضعف، لكنها كانت أبعد ما تكون عن الإحساس بالمتعة، وهكذا تفعل النساء في عالم المخابرات والجاسوسية، فالجنس عندهن وسيلة فحسب لا هدف.
صُدمت أمينة بشدة عندما تبين لها أن مانويل لا يملك ما تريده، فهو مجرد فني صغير لا يملك قراراً، فلم يتملكها الإحساس بالندم أو الحسرة، بل أقنعت نفسها بأنها فشلت في تجربة أولى، وحتماً ستنجح في مرات مقبلة. حاول مانويل عساف الوفاء بوعده لتتوطد علاقته بالمرأة النارية، فلم يستطع لأن رئيسه في العمل – مارون الحايك – بيده كل شيء ، لذلك صارحه بما حدث، واصطحبه إلى شقة أمينة. كان الحايك متعدد العلاقات النسائية، يسعى خلف نزواته ومغامراته، منشغل بالتجسس على المحادثات الهاتفية بين نساء المدينة، تستهويه لعبة المطاردة والبحث عن صيد جديد، وبغريزة الأنثى التي لا تخيب، أيقنت أمينة ما بنفسه، واثقة من كنز معلوماته عن الزعماء الفلسطينيين في بيروت، لذلك تركت جسدها له ينهشi وأحاطت عقله بسياج من غباء، فكان يجيب عن كل أسئلتها، وأطلعها – بعد لقاءات عدة – على التلفونات السرية للمنظمات الفلسطينية، وزعماء الجبهات وعناوين إقامتهم في حي الريحانة الشهير. بواسطة صندوق بريد ميت، صبت أمينة كل ما تفوه به الحايك في خطاب من صفحات عدة، تسلمه عملاء الموساد في بيروت، لتجيئها الأوامر بعد ذلك بالتحرك من دون انتظار، فالمطلوب منها هو الحصول على القوائم السرية لرجال المخابرات الفلسطينية في أوروبا وصفاتهم، ولن يتاح لها ذلك إلا من خلال مكتب ياسر عرفات شخصياً، أو مكتب رئيس جهاز المخابرات علي حسن سلامة المطارد في كل مكان في العالم، والذي أطلقت عليه غولدا مائير لقب «الأمير الأحمر»، لأنه بطل عملية ميونيخ التي قتل فيها أحد عشر إسرائيلياً.