الحلقة الثالثة من سلسلة حلقات سلاطين المماليك السلطان المظفر سيف الدين حاجي

94691062 1116514722019522 6059933159389134848 n 6

بقلم/ أحمد الطحاوي

ثم ورد الخبر باحتلال مراكز البريد بطريق الشام فأخذ من كل أمير مقدم ألف أربعة أفراس ومن كل طبل خاناه فرسان ومن كل أمير عشرة فرس واحد وكشف عن البلاد المرصدة للبريد فوجد ثلاث بلاد منها وقف الملك الصالح إسماعيل وقف بعضها وأخرج باقيها إقطاعات فأخرج السلطان عن عيسى بن حسن الهجان بلداً تعمل في كل سنة عشرين ألف درهم وثلاثة آلاف إردب غلة وجعلها مرصدة لمراكز البريد. واستمر خاطر السلطان موغراً على الجماعة من الأمراء بسبب اتفاق وغيرها إلى أن كان يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول من سنة ثمان وأربعين وسبعمائة كانت الفتنة العظيمة التي قتل فيها ملكتمر الحجازي وآق سنقر وأمسك بزلار وصمغار وأيتمش عبد الغني وسبب ذلك أن السلطان لما أخرج اتفاق وغيرها وتشاغل بلعب الحمام صار يحضر إلى الدهيشة الأوباش ويلعب بالعصا لعب صباح ويحضر الشيخ علي بن الكسيح مع حظاياه يسخر له وينقل إليه أخبار الناس فشق ذلك على الأمراء وحدثوا ألجيبغا وطنيرق وكانا عمدة السلطان وخاصكيته بأن الحال قد فسد فعرفا السلطان ذلك فاشتد حنقه وأطلق لسانه وقام إلى السطح وذبح الحمام بيده بحضرتهما وقال لهما: والله لأذبحنكم كما ذبحت هذه الطيور وأغلق باب الدهيشة وأقام غضبان يومه وليلته وكان الأمير غرلو قد تمكن من السلطان فأعلمه السلطان بما وقع فنال غرلو من الأمراء وهون أمرهم عليه وجسره على الفتك بهم والقبض على آق سنقر فأخذ السلطان في تدبير ما يفعله وقرر ذلك مع غرلو ثم بعث طنيرق في يوم الأربعاء خامس عشر شهر ربيع الآخر إلى النائب يعرفه أن قرابغا القاسمي وصمغار وبزلار وأيتمش عبد الغني قد آتفقوا على عمل فتنة وعزمي أن أقبض عليهم قبل ذلك فوعده النائب برد الجواب غداً على السلطان في الخدمة فلما اجتمع النائب بالسلطان أشار عليه النائب بالتثبت في أمرهم حتى يصح له ما قيل عنهم ثم أصبح فعرفه السلطان في يوم الجمعة بأنه صح عنده ما قيل بإخبار بيبغا أرس أنهم تحالفوا على قتله فأشار عليه النائب أن يجمع بينهم وبين بيبغا أرس حتى يحاققهم بحضرة الأمراء يوم الأحد وكان الأمر على خلاف هذا فإن السلطان كان اتفق مع غرلو وعنبر السحرتي مقدم المماليك على مسك آق سنقر وملكتمر الحجازي في يوم الأحد. فلما كان يوم الأحد تاسع عشر ربيع الآخر المذكور حضر الأمراء والنائب إلى الخدمة على العادة بعد العصر ومد السماط وإذا بالقصر قد ملئ بالسيوف المسللة من خلف آق سنقر والحجازي وأحيط بهما وبقرابغا وأخذوا إلى قاعة هناك فضرب ملكتمر الحجازي بالسيوف وقطع هو وآق سنقر قطعاً. وهرب صمغار وأيتمش عبد الغني فركب صمغار فرسه من باب القلعة وفر إلى القاهرة واختفى أيتمش عند زوجته وخرجت الخيل وراء صمغار حتى أدركوه خارج القاهرة وأخذ أيتمش من داره فارتجت القاهرة وغلقت الأسواق وأبواب القلعة وكثر الإرجاف إلى أن خرج النائب أرقطاي والوزير نجم الدين محمود بن شروين قريب المغرب وطلبا الوالي ونودي بالقاهرة فاشتهر ما جرى بين الناس وخاف كل أحد من الأمراء على نفسه. ثم رسم السلطان بالقبض على مرزة علي وعلى محمد بن بكتمر الحاجب وأخيه وعلى أولاد أيدغمش وأولاد قماري وأخرجوا الجميع إلى الإسكندرية هم وبزلار وأيتمش وصمغار لأنهم كانوا من ألزام الحجازي ومعاشريه فسجنوا بها وأخرج آق سنقر وملكتمر الحجازي في ليلة الإثنين العشرين من شهر ربيع الآخر على جنويات فدفنا بالقرافة وأصبح الأمير شجاع الدين غرلو وقد جلس في دست عظيم ثم ركب وأوقع الحوطة على بيوت الأمراء المقتولين والممسوكين وعلى أموالهم وطلع بجميع خيولهم إلى الإسطبل السلطاني وضرب غرلو عبد العزيز الجوهري صاحب آق سنقر وعبد المؤمن أستاداره بالمقارع وأخذ منهما مالاً جزيلاً فخلع السلطان على الأمير غرلو قباء من ملابسه بطرز زركش عريض وأركبه فرساً من خاص خيل الحجازي بسرج ذهب وكنبوش زركش. ثم خلا به بأخذ رأيه فيما يفعل فأشار عليه بأن يكتب إلى نواب الشام بما جرى ويعد لهم ذنوباً كثيرة على الأمراء الذين قبض عليهم فكتب إلى الأمير يلبغا اليحياوي نائب الشام على يد الأمير آق سنقر المظفري أمير جاندار فلما بلغ يلبغا الخبر كتب الجواب يستصوب رأي السلطان في ما فعله في الظاهر وهو في الباطن غير ذلك وعظم عليه قتل الحجازي وآق سنقر إلى الغاية ثم جمع يلبغا أمراء دمشق بعد يومين بدار السعادة وأعلمهم الخبر وكتب إلى النواب بذلك وبعث الأمير ملك آص إلى حمص وحماة وحلب وبعث الأمير طيبغا القاسمي إلى طرابلس ثم آنتقل في يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى إلى القصر بالميدان فنزل به ونزل ألزامه حوله بالميدان وشرع في الاستعداد للخروج عن طاعة الملك المظفر هذا. وأما السلطان الملك المظفر فإنه أخذ بعد ذلك يستميل المماليك السلطانية بتفرقة المال فيهم وأمر منهم جماعة وأنعم على غرلو بإقطاع أيتمش عبد الغني وأصبح غرلو هو المشار إليه في المملكة فعظمت نفسه إلى الغاية. ثم أخرج السلطان ابن طقزدمر على إمرة طبلخاناه بحلب وأنعم بتقدمته على الأمير طاز. وتولى غرلو بيع قماش الأمراء وخيولهم. وصار السلطان يتخوف من النواب بالبلاد الشامية إلى أن حضرت أجوبتهم بتصويب ما فعله فلم يطمئن بذلك ورسم بخروج تجريدة إلى البلاد الشامية فرسم في عاشر جمادى الأولى بسفر سبعة أمراء من المقدمين بالديار المصرية وهم الأمير طيبغا المجدي وبلك الجمدار والوزير نجم الدين محمود بن شروين وطنغرا وأيتمش الناصري الحاجب وكوكاي والزراق ومعهم مضافوهم من الأجناد وطلب الأجناد من النواحي وكان وقت إدراك المغل فصعب ذلك على الأمراء وآرتجت القاهرة بأسرها لطلب السلاح وآلات السفر. ثم كتب السلطان إلى أمراء دمشق ملطفات على أيدي النجابة بالتيقظ بحركات الأمير يلبغا اليحياوي نائب الشام ثم أشار النائب على السلطان بطلب يلبغا ليكون بمصر نائباً أو رأس مشورة فإن أجاب وإلا أعلم بأنه قد عزل عن نيابة الشام بأرغون شاه نائب حلب فكتب السلطان في الحال يطلبه على يد أراي أمير آخور وعند سفر أراي قدمت كتب نائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد على السلطان بأن يلبغا دعاهم للقيام معه على السلطان لقتله الأمراء وبعثوا بكتبه إليه.