بقلم/ أحمد الطحاوي
فاسطف الجيشان وحملت الميمنةُ والقلبُ حملة أزالوا بها العثمانيين من مواقفهم وقتلوا منهم بضعة آلاف واستولَوْا على كثير من أعلامهم ومدافعهم وكادت الغلبة تكون للمصريين وهمَّ السلطان سليم بالهرب لولا أن خاير بك انهزم بكتيبته وكان على الميسرة وتبعه جان بردي الغزالي فاختل نظام الجيش المصري واتفق أن وصل للعثمانيين في ذلك الوقت مدد من المدفعية وظهر كمين لهم أحاط بالجيش المصري ورأى المماليكُ القدماءُ من المصريين أن المماليك الخواص لا يُقاتِلون ففترت هِممهم ووَهَنَتْ عزائمهم وتخاذلوا ولم يصبروا على نيران المدافع العثمانية فركنوا إلى الفرار وبقيَ السلطان الغوري في جماعة قليلة يناديهم ليعودوا فلم يلتفتوا إليه ففُلج لساعته وسقط عن جواده ولما شاع موته في العسكر تفرَّقوا واستولى العثمانيون على معسكرهم وغنموا منه ما لا يُحصى ولم يُوقَف للغوري على أثر واستمرت الواقعة من طلوع الشمس إلى ما بعد الظهر ولما رجع المنهزمون إلى حلب انقلب عليهم أهلها واستولَوْا على ودائعهم عندهم وفتكوا بهم فلاقَوْا منهم شرًّا مما لاقَوْا من العثمانيين وانتظر أهل حلب قدوم السلطان سليم فسلَّموه المدينة واستولى على قلعتها بدون قتال وغنم منها ألوف الألوف من الأموال والذخائر وخُطِبَ باسمه في مسجدها وانضم إليه خاير بك وغيره من المماليك الخوَنة وحلَقوا لحاهم أو قصروها وتزيَّوْا بزيِّ العثمانيين ثم ذهب السلطان سليم إلى دمشق فاستولى عليها ودانت له جميع مدن الشام بلا مُنازع ومكث بها مدة ثلاثة أشهر يرتِّب نظامها ويُحكِم أمورها. أما بقية المنهزمين من المصريين فرجعوا إلى مصر في حالة يُرثى لها ورجع معهم جان بردي الغزالي وكأنه قصد برجوعه إلى مصر أن يَفُتَّ في عَضُدِ المصريين ويكون عونًا وجاسوسًا للعثمانيين وكانت أفعاله كلها في مصر ترمي إلى ذلك لأنه خرج عَقِبَ دخوله مصر بحملة إلى الشام ليُنقذ غزة من العثمانيين ففرق عساكره في البلاد ولم يلاقِ العثمانيين إلا بفئة قليلة لم تلبث أن انهزمت وكانت هزيمتهم سببًا في فشل طومان باي الذي خلَّفه الغوري سلطانًا على مصر في تأليف جيش عظيم آخر يدافع عن القاهرة فقد كابد في جمعه مشقات عظيمه وتخاذل المماليك واشترطوا عليه شروطًا أشدَّ مما اشترطوا على الغوري وبَقُوا في خلاف: هل يحاربون العثمانيين على حدود جزيرة الطور وهم منهوكو القوى من قطع الصحراء أو في شمالي القاهرة حتى دهمتهم جيوش العثمانيين وصارت على مقربة من القاهرة فخرج طومان باي في جيش مختلط من جميع أجناس المحاربين وأسرع في حفر الخنادق ونصب المدافع في ظاهر الرَّيْدَانِيَّة صحراء العباسية وعين شمس إلى بركة الحج وكان يظن أن الجيش العثماني يقابله وجهًا لوجه فيها فكان غيرُ ما ظنَّ إذ لم يكد الجيشان يتلاقيان يوم ٢٩ ذي الحجة سنة ٩٢٢ﻫ حتى افترق الجيش العثماني لكثرته إلى ثلاث فِرَق فرقة كانت وِجهتها المصريين بالريدانية وفرقة سارت تحت الجبل الأحمر والمقطم وأحاطت بهم من اليمين إلى الخلف وفرقة سارت إلى جهة بولاق وأحاطت بهم من الشمال. إلى اللقاء في الحلقة القادمة.