الحلقة الخامسة من سلسلة حلقات سلاطين المماليك السلطان المظفر سيف الدين حاجي

94691062 1116514722019522 6059933159389134848 n 8

بقلم / أحمد الطحاوي

ولما تمكن غرلو من السلطان وأخذ أموال من قُتل وتزايد أمره وآشتدت وطأته وكثر إنعام السلطان عليه حتى إنه لم يكن يوم إلا وينعم عليه فيه بشيء ثم أخذ غرلو في العمل على علم الدين عبد الله بن زبنور ناظر الخاصية وعلى القاضي علاء الدين علي بن فضل الله العمري كاتب السر وصار يحسن للسلطان القبض عليهما وأخذ أموالهما فتلطف النائب بالسلطان في أمرهما حتى كف عنهما فلم يبق بعد ذلك أحد من أهل الدولة حتى خاف من غرلو وصار يصانعه بالمال حتى يسترضيه ثم حسن غرلو للسلطان قتل الأمراء المحبوسين بالإسكندرية فتوجه الطواشي مقبل الرومي بقتلهم فقتل الأمير أرغون العلائي وقرابغا القاسمي وتمر الموساوي وصمغار وأيتمش عبد الغني وأفرج عن أولاد قماري وأولاد أيدغمش وأخرجوا إلى الشام. واستمر السلطان على الانهماك في لهوه فصار يلعب في الميدان تحت القلعة بالكرة في يومي الأحد والثلاثاء ويركب إلى الميدان الذي على النيل في يوم السبت فلما كان آخر ركوبه إلى الميدان رسم السلطان بركوب الأمراء المقدمين بمضافيهم ووقوفهم صفين من الصليبة إلى فوق القلعة ليرى السلطان عسكره. فضاق الموضع فوقف كل مقدم بخمسة من مضافيه وجمعت أرباب الملاهي ورتبت في عدة أماكن من القلعة إلى الميدان ثم ركبت أم السلطان في جمعها وأقبل الناس من كل جهة فبلغ كراء كل طبقة مائة درهم وكل بيت كبير لنساء الأمراء مائتي درهم وكل حانوت خمسين درهماً وكل موضع إنسان بدرهمين فكان يوماً لم يعهد في ركوب الميدان مثله. ثم في يوم الخميس خامس عشره قبض السلطان الملك المظفر هذا على أعظم أمرائه ومدبر مملكته الأمير شجاع الدين غرلو وقتله وسبب ذلك أمور: منها شدة كراهية الأمراء له لسوء سيرته فإنه كان يخلو بالسلطان ويشير عليه بما يشتهيه فما كان السلطان يخالفه في شيء وكان عمله أمير سلاح فخرج عن الحد في التعاظم وجسر السلطان على قتل الأمراء وقام في حق النائب أرقطاي يريد القبض عليه وقتله واستمال المماليك الناصرية والصالحية والمظفرية بكمالهم وأخذ يقرر مع السلطان أن يفوض إليه أمور المملكة بأسرها ليقوم عنه بتدبيرها ويتوفر السلطان على لذاته. ثم لم يكفه ذلك حتى أخذ يغري السلطان بألجيبغا وطنيرق وكانا أخص الناس بالسلطان ولا زال يمعن في ذلك حتى تغير السلطان عليهما وبلغ ذلك ألجيبغا وتناقلته المماليك فتعصبوا عليه وأرسلوا إلى الأمراء الكبار حتى حدثوا السلطان في أمره وخوفوه عاقبته فلم يعبأ السلطان بقولهم فتنكروا بأجمعهم على السلطان بسبب غرلو إلى أن بلغه ذلك عنهم من بعض ثقاته فآستشار النائب في أمر غرلو المذكور فلم يشر عليه في أمره بشيء وقال للسلطان: لعل الرجل قد كثرت حساده على تقريب السلطان له والمصلحة التثبت في أمره وكان أرقطاي النائب عاقلاً سيوساً يخشى من معارضته غرض السلطان فيه فاجتهد ألجيبغا وعدة من الخاصكية في التدبير على غرلو وتخويف السلطان منه ومن سوء عاقبته حتى أثر قولهم في نفس السلطان وأقاموا الأمير أحمد شاد الشرابخاناه وكان مزاحاً للوقيعة فيه فأخذ أحمد شاد الشرابخاناه في خلوته مع السلطان يذكر كراهية الأمراء لغرلو وموافقة المماليك له وأنه يريد أن يدبر المملكة ويكون نائب السلطنة ليتوثب بذلك على المملكة ويصير سلطاناً ويخرج له قوله هذا في صورة السخرية والضحك وصار أحمد المذكور يبالغ في ذلك على عدة فنون من الهزل إلى أن قال السلطان: أنا الساعة أخرجه وأعمله أمير آخور فمضى أحمد شاد الشربخاناه إلى النائب وعرفه بما وقع في السر وأنه جسر السلطان على الوقيعة في غرلو فبعث السلطان وراء النائب أرقطاي وآستشاره في أمر غرلو ثانياً فأثنى عليه النائب وشكره فعرف السلطان كثرة وقيعة الخاصكية فيه وأنه قصد أن يعمله أمير آخور فقال النائب: غرلو رجل شجاع جسور لا يليق أن يعمل أمير آخور فكأنه أيقظ السلطان من رقدته بحسن عبارة وألطف إشارة فأخذ السلطان في الكلام معه بعد ذلك فيما يوليه! فأشار عليه النائب بتوليته نيابة غزة فقبل السلطان ذلك وقام عنه النائب فأصبح السلطان بكرة يوم الجمعة وبعث الأمير طنيرق إلى النائب أن يخرج غرلو إلى نيابة غزة فلم يكن غير قليل حتى طلع غرلو على عادته إلى القلعة وجلس على باب القلة فبعث النائب يطلبه فقال: مالي عند النائب شغل وما لأحد معي حديث غير أستاذي فأرسل النائب يعرف السلطان جواب غرلو فأمر السلطان مغلطاي أمير شكار وجماعة من الأمراء أن يعرفوا غرلو عن السلطان أن يتوجه إلى غزة وإن امتنع يمسكوه فلما صار غرلو بداخل القصر لم يحدثوه بشيء وقبضوا عليه وقيدوه وسلموه لألجيبغا فأدخله إلى بيته بالأشرفية فلما خرج السلطان لصلاة الجمعة على العادة قتلوا غرلو وهو في الصلاة وأخذ السلطان بعد عوده من الصلاة يسأل عنه فنقلوا عنه أنه قال: أنا ما أروح مكانا وأراد سل سيفه وضرب الأمراء به فتكاثروا عليه فما سلم نفسه حتى قتل فعز قتله على السلطان وحقد عليهم لأجل قتله ولم يظهر لهم ذلك ورسم بإيقاع الحوطة على حواصله وكان لموته يوم مشهود.