كتب – محمود عرفات
مما لا شك فيه ولا ريب أن الخفاء في سائر العبادات، له أفضل السبق لدى من يبتغي بعمله وجه الله تبارك وتعالى لا وجه الناس، ومن ثم أحسن الثواب هو ما كان بعيدًا عن أعين الناس، وليس مطلع على عمله سوى الله تبارك الله وتعالى. فإذا ذهبنا على سبيل المثال إلى فريضة الصيام التي نحن بصددها هذه الأيام، نرى أن ثوابها يختلف عن سائر العبادات، لكونها في الخفاء لا العلن، معلوم أننا نرى الصائم حال صومه، ولكنه بإمكانه أن يأكل ويشرب ويفعل ما يحلو له خفية من الناس، وفي نظر الناس هو صائم.. لذا الله تبارك وتعالى لما تحدث عن الصائم قال في الحديث القدسي: ” كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به” فإضافة الصيام إلى ذات الله تبارك وتعالى إضافة تشريف وتعظيم، لكون الصائم أخلص نيته وامتنع عن شهوتي البطن والفرج بغية نيل الثواب من الله تبارك وتعالى وإرضاء له، وهو متخفيًا في استطاعته أن يمارس المباحات حال خلوه من الناس.
وإذا ذهبنا إلى أفضل الصلوات نرى أنها “صلاة الليل” التي يكون الإنسان فيها خاليًا ممن حوله، وليس مطلعًا عليه سوى خالقه، فتكون تلك الصلاة بعيدة عن أي رياء يضعف الثواب الذي يبتغيه، وذلك على غير العادة من الصلوات الأخرى، التي قد يتخذها البعض وسيلة للتفاخر والخيلاء، ولكي يقول الناس عنه أنه يصلي!
أما بصدد الصدقة التي أصبح الفقراء والمساكين في أمسّ الحاجة إليها عن أي عام سبق، وذلك بسبب ڤيروس كورونا الذي اجتاح العالم بأسره، مما قد نجم عن ضعف في الإنتاج، ومشقة في المعيشة؛ الأمر الذي أوجب على أصحاب الأموال أن يشمروا عن ساعدهم، لأن هذا حق عليهم، وطهارة لهم من الآثام التي ارتكبوها، ونماءً لأموالهم، وصيانة له.
أمر من الأمور التي تخفى على الكثير في هذه الأيام، وأصبح الحديث عنها جللًا وهي أن الصدقة لا بد وأن تكون في الخفاء، مستشهيدين بالحديث الذي حكى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم إلا ظله، منها: ” ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت يساره” الحقيقة أن هذا أمر محبذ وله الأولوية عن العلن، لكن الصدقة على وجه التحديد من الأمور التي يصح فيها الجهر والخفاء، وذلك بسبب أن الجهر قد يجر معه نفعًا؛ قد ينعدم في حالة الخفاء.. ولكن لا بد هنا من شروط، اذا انتفت تحولت المثوبة إلى ذنب، وهي ” سلامة النية ” إذ لا بد على من انتهج نحو العلانية بغية جلب المنفعة، أن لا تكون هذه العلانية بهدف الخيلاء، وأن يراه الناس أنه متصدق.. ومن الأدلة القرآنية على أن الصدقة تجوز فيها العلانية قوله تعالى:” الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية ” وفي آية أخرى: ” إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عن من سيئاتكم.. “
العلن في خضم ما نمر به في تلك الأيام محبّذٌ بشكل كبير، وليس فيه شيء من جهة الشرع، ولكن لا بد على المعلن أن يفهم معنى العلن في الصدقة، وأن يلتزم بالضوابط الأخلاقية الملائمة، كأن لا يشهر بأسماء المحتاجين، وأن لا يشعر المحتاج بأنه أقل منه مكانة، أو أن يظهر له أنه يمنّ عليه ببعض ماله..بل العكس من ذلك؛ يعطي بنفس راضية، وبقلب صاف، وبابتسامة تنم عن طيب نفس.. فالقول الحسن الطيب خير من الصدقة التي ينجم عنها أذىً لهؤلاء، كما قال تعالى: “قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم”.
فالعلانية في الصدقة ليس فيها شيء، شريطة سلامة النية، والالتزام بالضوابط الأخلاقية..وإن جر نفعًا فله فله أجر فوق أجره.