« الفلكلور المصري عبر العصور»”مرآة الزمن”
بقلم د. عزة محمود علي
يُعدّ الفلكلور المصري سجلًّا حيًّا لذاكرة الأمة المصرية، ومرآة تعكس تفاعلها مع بيئتها الطبيعية والاجتماعية والثقافية عبر آلاف السنين. فالمصريون منذ فجر التاريخ كانوا شعبًا شديد الارتباط بأرضه ونيله وطقوسه اليومية، ولذلك شكّل الفلكلور لديهم وسيلة للتعبير عن المعتقدات، ونقل الحكمة، وتسجيل الخبرات، وصياغة رؤية جماعية للعالم، وإذا كان الفلكلور يُعرَّف بأنه التراث الشعبي الشفهي والممارسات الاجتماعية والفنية التي يتوارثها الناس جيلًا بعد جيل، فإن الفلكلور المصري هو أحد أغنى الفلكلورات في العالم بفضل امتداده الحضاري المتصل من مصر القديمة مرورًا بالعصور اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية وصولًا إلى العصر الحديث.
في مصر القديمة، كان الفلكلور يتجلى في الأساطير الدينية التي لم تكن مجرد قصص عن الآلهة، بل محاولات رمزية لفهم الكون والحياة والموت والبعث. أسطورة إيزيس وأوزوريس، على سبيل المثال، لم تكن مجرد سرد أسطوري، بل تحولت إلى طقس شعبي يمارس في الريف والمدينة، حيث يشارك الناس في تمثيل قصة القتل والانبعاث في طقوس مرتبطة بدورة الطبيعة والزراعة. كما ارتبط الفلكلور المصري القديم بالاحتفال بالنيل، فقد كان “عيد وفاء النيل” مناسبة تجمع بين الطقوس الدينية والأغاني الشعبية والاحتفالات الجماعية، ويعكس وعي المصريين بالدور المركزي للنهر في حياتهم. كذلك، تظهر الأمثال والحِكم المنقوشة على البرديات والنصوص الجنائزية مثل نصوص بتاح حتب في كونها صورة مبكرة للفلكلور الأخلاقي والاجتماعي، حيث تنقل خبرات الحياة وقيمها بأسلوب موجز يصلح للتداول الشفوي. ولم تقتصر ملامح الفلكلور القديم على النصوص، بل تجلت في الأغاني التي كان الفلاحون ينشدونها في مواسم الحصاد، وفي الرقصات المصاحبة للطقوس، وفي الأهازيج الموجهة للأطفال التي حفظتها الجداريات.
ومع دخول مصر تحت الحكم اليوناني ثم الروماني، لم ينقطع الفلكلور المصري، بل امتزجت عناصره مع مؤثرات جديدة. فقد تبنى اليونان بعض الموروثات المصرية ودمجوها في ثقافتهم، كما ظهر في عبادة “سيرابيس” التي جمعت بين سمات أوزوريس وحورس وزيوس. استمرت الأغاني الزراعية والاحتفالات الشعبية، لكن أضيفت إليها طقوس وأعياد يونانية–رومانية أصبحت تمارس في الإسكندرية والمدن الكبرى، فيما ظل الريف محتفظًا بجوهر موروثه الزراعي القديم. هكذا نشأت طبقة فلكلورية هجينة تجمع بين العراقة المصرية والتأثيرات الأجنبية، مما يوضح قدرة الثقافة الشعبية على التكيف دون أن تفقد هويتها الأصلية.
في العصر القبطي، ورغم سيطرة المسيحية على المجال الديني، ظل الفلكلور المصري ممتدًا من موروثاته السابقة. فقد تحولت بعض الطقوس الفرعونية إلى أعياد مسيحية في ثوب جديد. عيد “شم النسيم”، على سبيل المثال، استمر بوصفه احتفالًا شعبيًا بالطبيعة والتجدد، وإن أُعيد تفسيره ضمن الإطار المسيحي. الألحان الكنسية القبطية نفسها يُعتقد أنها امتداد للألحان المصرية القديمة التي انتقلت عبر الأجيال. كما ازدهرت القصص الشعبية التي تتناول سير القديسين والشهداء، مثل سيرة مارجرجس وأبو سيفين، والتي أدت وظيفة مشابهة لوظيفة الأساطير القديمة في إلهام الجماعة وتقوية روح الصمود والإيمان. وقد ارتبط الفلكلور القبطي بالبيئة الريفية في الصعيد والدلتا، حيث ظل الناس يروون القصص الشعبية ويمارسون العادات المرتبطة بالزراعة والحصاد والأعياد.
ومع الفتح الإسلامي لمصر، دخلت عناصر جديدة إلى الفلكلور المصري، لكنها لم تمحُ ما سبقها، بل أضافت إليه. فقد جلب العرب معهم القصص البطولي والأساطير الشعبية مثل سيرة بني هلال والزير سالم وألف ليلة وليلة، والتي امتزجت بالبيئة المصرية لتأخذ طابعًا محليًا. كما انتشرت الموالد والاحتفالات الشعبية المرتبطة بالأولياء والقديسين المسلمين، مثل مولد الإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة سكينة والسبدة رقية رضي الله عنهم أجمعين، وهي مناسبات تتضمن حلقات الذكر والإنشاد الصوفي والأغاني الشعبية والرقصات الجماعية. وقدمت الأسواق الشعبية مجالًا واسعًا لانتشار الفلكلور الشفهي، حيث كان الحكواتي يروي السير الشعبية، وكان الأراجوز يعرض القصص الكوميدية الناقدة للمجتمع، بينما يردد الناس الأمثال الشعبية في حياتهم اليومية تعبيرًا عن الحكمة الجماعية.
خلال العصور المملوكية والعثمانية، ظل الفلكلور المصري حيًّا ومتجددًا. فقد ازدهرت الفنون الشعبية مثل الرقص بالتحطيب في الصعيد، والطنبورة في مدن القناة، والسامر في البدو. كما تطورت الحكايات الشعبية لتواكب التحولات السياسية والاجتماعية، وظلت الأمثال الشعبية أداة للتعبير عن الرأي العام، ووسيلة لنقل تجارب الناس بأسلوب بسيط وعميق في آن واحد. وفي نفس الفترة، انتشرت مواكب احتفالية مثل “المحمل الشريف” الذي كان ينطلق من القاهرة إلى مكة، وتحول إلى حدث شعبي احتفالي يتخلله الغناء والرقص.
في مصر الحديثة والمعاصرة، ومع دخول القرن التاسع عشر وبروز حركة التحديث، لم يختفِ الفلكلور بل تطور وأخذ أشكالًا جديدة. فقد بدأت محاولات تدوين الحكايات الشعبية، وكان رفاعة الطهطاوي من أوائل المهتمين بجمع بعض القصص. وفي القرن العشرين ظهر جيل من الباحثين مثل أحمد رشدي صالح وزكريا الحجاوي اللذين قاما بجمع وتصنيف الفلكلور المصري، سواء في صورة حكايات أو أمثال أو أغانٍ شعبية. وبدأ الاهتمام الرسمي بالفنون الشعبية يتجسد في إنشاء فرق الرقص الشعبي ومراكز البحث في الثقافة الجماهيرية. في الوقت ذاته، لعبت السينما والمسرح دورًا كبيرًا في إحياء الفلكلور، حيث وظف يوسف شاهين وصلاح جاهين وغيرهما عناصر الفلكلور في أعمالهم الفنية. ولا تزال الأمثال الشعبية تُستخدم بكثرة في الحياة اليومية المصرية، فهي تحمل خلاصة الحكمة الشعبية وتجسد خبرات الناس. كما تواصل الأغنية الشعبية تطورها من الموال التقليدي إلى الأغنية الحديثة التي تحتفظ بجذورها الريفية.
وإذا نظرنا إلى الفلكلور المصري عبر العصور، نجد أن ثمة ثوابت أساسية تحافظ على استمراريته، أهمها ارتباطه الوثيق بالنيل والأرض والزراعة والدورة الطبيعية للحياة. فالاحتفال بالنيل ظل محورًا رئيسيًا في الطقوس الشعبية منذ مصر القديمة حتى اليوم، وإن تغيّر شكله من القرابين للآلهة إلى احتفالات “وفاء النيل” إلى الأغاني الحديثة التي تمجد النهر. كذلك فإن قيمة التضامن الاجتماعي والاحتفال الجماعي بقيت متجذرة في الفلكلور، سواء في الموالد أو الأعياد أو المناسبات الشعبية. أما المتغيرات فتتمثل في الشكل والأسلوب، حيث يعاد إنتاج المضمون نفسه بلغة جديدة تناسب العصر. فالأسطورة القديمة تحولت إلى قصة قديس، ثم إلى سيرة شعبية، ثم إلى دراما سينمائية أو مسرحية، لكنها جميعًا تؤدي نفس الوظيفة في إلهام الجماعة وتعزيز هويتها.
يكتسب الفلكلور المصري اليوم أهمية مضاعفة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها المجتمع. فالعولمة والوسائط الرقمية تهدد بزوال الكثير من الممارسات التقليدية، لكنها في الوقت ذاته توفر فرصًا جديدة لتوثيق الفلكلور وإحيائه. ومن هنا تأتي ضرورة الاهتمام بجمع التراث الشعبي المصري وتوثيقه ودراسته من منظور علمي وفلسفي، ليس فقط بوصفه بقايا الماضي، بل كرصيد ثقافي يساهم في بناء الحاضر والمستقبل. فالفلكلور ليس مجرد قصص أو أغنيات، بل هو التعبير الأعمق عن هوية المصريين، وعن قدرتهم على المزج بين الاستمرارية والتجديد، بين المحلي والعالمي، وبين ما هو عتيق وما هو حديث.
وبذلك يمكن القول إن الفلكلور المصري عبر العصور يمثل ملحمة إنسانية مستمرة، تتجلى فيها عبقرية الشعب المصري في تحويل تجاربه الحياتية إلى رموز فنية وشعبية خالدة، تحفظ ذاكرته الجمعية، وتؤكد حضوره التاريخي المتجدد في كل عصر.
تحية لكل فتاة قررت تتعلم وتعلم غيرها.. وتكتب قصة نجاحها بإيدها
للمزيد والتفاصيل الكاملة عن القصة الملهمة:
https://www.nesral3roba.com/?p=135717
1-صوت المرأة..أسرار لا تُحكى: كيف تغيّر المرأة العالم من خلف الستار
“للمزيد: اضغطي هنا- https://nesral3roba.com/?p=131433
2 صوت المرأة ..السر وراء النجاح والتألق بين إيديك!
سيدتي، قوتك في صوتك، وتألقك في حضورك!
لا تفوّتي الفرصة لمعرفة كيف تصنعين الفرق!اضغطي هنا
صوت المرأة فبراير 2025: السر وراء النجاح والتألق ينتظرك!”
3 – صوت المرأة: هل أنتِ جاهزة لاكتشاف أسرار رمضان؟
اقرئي صوت المرآة كاملًا: https://nesral3roba.com/?p=132293
4_صوت المرأة المصرية أبريل مش بس مسموع… ده بيهز العالم!
من الفن للسياسة، من الإعلام للعلوم، هي دايمًا في الصفوف الأولىصوتها = إبداع + قوة + تغيير
اقروا عن النماذج الملهمة دي في جريدة #نسر_العروبة
من هنا:
5 – صوت المرأة مايو هل تجرؤين على اكتشاف أسرار ممكن تغيّر حياتك؟
من التربية للعلاقة الزوجية، ومن الصحة النفسية لأسرار ما بين السطور!
في حلقة قوية مع منى الشاذلي، هتسمعي كلام مش عادي عن صوتك، حقوقك، واختياراتك!
صوت المرآة
6-“في كل زاوية من حياتنا… هناك امرأة تكتب التاريخ!”
اقرأ صوت المرأة كامل من هنا:
صوت المرأة شهر يونيو”في كل زاوية من حياتنا… هناك امرأة تكتب التاريخ!”
7- صوت المرأة شهر يوليو حسيتي يوم إن صوتك بيتكتم؟ أو إنك عايزة تحكي ومفيش اللي يسمعك؟
“صوت المرأة… نبض المعنى في زحام العصر”
اعداد وتصميم صوت المرأة
بقلم فاطمة سيد أحمد العامرية
وسط زحمة الحياة، في صوت بيحاول يخرج…
صوت بيعبر عنك، عن إحساسك، عن حلمك اللي لسه مستني النور
ده مش مجرد كلام… دي مساحة حقيقية ليكي، فيها بنسمع، بنحس، وبنكتبك.
متاح PDF مجاناً
اقريه من هنا
صوت المرأة… نبض المعنى في زحام العصر
8-#صوت_المرأة أغسطس… حيث تُروى الحكايات وتُكتب الأساطير!
صوت المرآة معاكي لحظة بلحظة حول العالم
من قصص ملهمة لنساء تحدّين المستحيل، لحكايات تكتب التاريخ بحروف من نور!
شاركينا رأيك
إيه أكتر قصة عجبتك في #صوت_المرأة؟
ولو حابة تكتبي قصتك أو قصة غيرك… ابعتيها لينا على البيدچ
تصميم وإعداد: بصلة الصحافة فاطمة سيد أحمد العامرية
للمزيد:
حمل مجانا كتاب على خطى الرسول: أطفالنا مستقبلنا”
– للمزيد اتبع الرابط التالي – https://nesral3roba.com/?p=128294
مغامرات عامر ومروان في رمضان!
كل عام وانتم بخير
جاهزين تعيشوا المغامرة مع عامر ومروان؟ قصص مشوّقة وأحداث رمضانية ممتعة بانتظاركم!
اترك رد
View Comments