المولد النبوي.. بين الاحتفال الروحي والعادات الشعبية | تقرير خاص

المولد النبوي.. بين الاحتفال الروحي والعادات الشعبية | تقرير خاص
المولد النبوي.. بين الاحتفال الروحي والعادات الشعبية | تقرير خاص

المولد النبوي.. بين الاحتفال الروحي والعادات الشعبية | تقرير خاص

بقلم/ فاطمة العامرية…

 مع اقتراب ذكرى المولد النبوي، يطفو على السطح جدل الاحتفال بين مؤيد ومعارض. هذا التقرير يتعمق في الجذور الروحية للاحتفاء بالنبي ﷺ، ويحلل تطور العادات الشعبية المرتبطة به، ورأي علماء الأزهر الشريف في إحياء هذه الذكرى.

مع كل هلال شهر ربيع الأول، تعيش الأمة الإسلامية حالة من الجدل الفقهي والفرح الشعبي بذكرى المولد النبوي الشريف. بينما يرى فريق أنه تعبير عن الحب والشوق لرسول الله ﷺ، يحذر آخرون من تحوله إلى “بدعة”. لكن المساحة بين هذين الرأيين واسعة، تمتلئ بـ العادات الشعبية المتوارثة والاحتفال الروحي الذي يبحث عن معنى.

(المحور الأول: الجذور الروحية والفقهية للاحتفال.. الحب في القلب)

لم يذكر الصحابة أو التابعون الاحتفال بالمولد بالشكل الحالي، لكن جذوره تعود إلى حب النبي ﷺ الذي هو أصل الإيمان.

  • النص الشرعي: قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24]. جعل الله حب الرسول ﷺ مقدّمًا على كل شيء.
  • الرأي الفقهي المستند إلى الروحانية: يرى كثير من العلماء، وعلى رأسهم العديد من علماء الأزهر الشريف، أن الاحتفال بالمولد ليس عبادة بذاتها، بل هو “عادة” حسنة قائمة على الشكر لله على نعمة مولد النبي ﷺ. يقول الإمام جلال الدين السيوطي: “إن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن وذكر أخبار مولد النبي ﷺ وما وقع فيه من الآيات ثم يموَّن لهم طعام يأكلونه وينصرفون من غير زيادة عليه؛ من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها”.

(المحور الثاني: العادات الشعبية.. بين البهجة والانحراف)

مع الوقت، تلبست الذكرى الروحية بـ عادات شعبية كثيرة، تختلف من بلد لآخر، منها المقبول ومنها المرفوض.

  • عادات مقبولة وتراثية:
    • إنشاد المدائح النبوية: مثل قصائد “ولد الهدى” لأحمد شوقي، و”البردة” للبوصيري، والتي تعبر عن الشوق الأدبي والأخلاقي للنبي ﷺ.
    • إطعام الطعام (الموائد): إطعام الفقراء والمحتاجين، استشهادًا بحديث “مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ لَا يَشْكُرِ اللَّهَ” وتجسيدًا لخلق الكرم الذي كان عليه النبي ﷺ.
    • حكاية السيرة النبوية: استخدام المناسبة كفرصة لنشر سيرة النبي ﷺ وأخلاقه بين الأطفال والكبار.
  • عادات مرفوضة
    • الاختلاط والفوضى: في بعض الأماكن، تتحول الاحتفالات إلى مجالس لهو واختلاط غير شرعي، مما يفقدها روحها.
    • البدع الشركية: بعض الممارسات التي تجاوزت حدّ التكريم إلى التعظيم المشابه للعبادة، مثل التوسل غير المشروع، وهو ما يحذر منه جميع العلماء.
    • الإسراف والتبذير: إنفاق الأموال الطائلة على زينات ومظاهر قد تتعارض مع تعاليم الزهد والبساطة في الإسلام.

(المحور الثالث: كيف نوفق بين الروحاني والشعبي؟ رؤية معاصرة)

السؤال الأهم: كيف نحتفل بطريقة ترضي الرب وتُعبّر عن الفرح برسول الله دون وقوع في محاذير؟

  • كلمة علماء الأزهر: يدعو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر إلى “الاحتفال بالمولد النبوي بما يتفق مع روح الشريعة، بالتذكير بسيرته العطرة، وذكر شمائله، والاقتداء بأخلاقه، والابتعاد عن كل ما يخالف الشرع من بدع ومنكرات”.
  • اقتراحات للاحتفال الراقي:
    1. تحويل المولد إلى أسبوع ثقافي: محاضرات عن السيرة النبوية، ورش عمل للأطفال عن أخلاق النبي، معارض للكتاب عن سيرته.
    2. مبادرات إصلاحية: تسمية المشاريع الخيرية (حفر آبار، كفالة أيتام) باسم النبي ﷺ، تقديمًا لهدية عملية تليق به.
    3. توحيد الصف: تجنب الجدال العنيف بين المؤيد والمعارض، والتركيز على القواسم المشتركة، وهي حب النبي ﷺ والسير على منهجه.

ذكرى المولد النبوي هي مرآة تعكس حالة الأمة: حين تكون واعية، تحتفل بتعاليمه وروحانيته وإصلاحه للمجتمع. وحين تضعف، تتحول المناسبة إلى عادات شعبية جوفاء تخلو من المضمون. الخيار بين الاحتفال الروحي الهادف والعادات الشعبية المنفلتة هو اختبار لوعينا وإرادتنا في أن نحيي سنة النبي ﷺ حقًا، لا أن نحيي الذكرى فقط.