بقلم : أ . د . بومدين جلالي – الجزائر
قديما، في جمهورية مصر العربية … يومها كنت بصدد الإعداد لنيل الدكتوراه في الأدب المقارن … كان البحث صعبا وجميلا، وكانت الحياة تتلون بألوان المناطق التي أمر بها والظواهر الثقافية التي أحضرها والمؤلفات التي أجالسها وأحاورها ساعات طويلة في اليوم الواحد … مفكرتي المخلدة لتلك الحقبة مليئة بالأحداث والأعلام والمؤلفات والصور والذكريات المنقوشة في خفايا الروح كما هي مدونة بقلمي المسكون بهاجس المعرفة أكثر من أي هاجس آخر … والشيء الوحيد الذي ظل يزعجني بحق وحقيقة، في مصر أو غيرها من البلدان العربية، هو أننا في الجزائر نكاد نعرف كل التفاصيل الثقافية والتاريخية وما يجري هذا المجرى عن أشقائنا وأصدقائنا في بلاد العرب عامة ومصر خاصة، بينما لا يعرف هؤلاء الأشقاء والأصدقاء عن ثقافتنا وتاريخنا إلا بعض الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع … والعيب، كل العيب، ليس فيهم بل هو فينا نحن معشر الجزائريين والجزائريات … ما جمعنا أرشيفنا، ولا حققنا تراثنا، ولا كتبنا عن أنفسنا بإسهاب وروية وموضوعية، ولا أشهرنا ما نملك حاليا من أعمال فكرية وعلمية وفنية في مختلف المجالات، ولا اعترفنا بفضل أصحاب الأقلام الجادة من رجالنا ونسائنا، ولا سوقنا إنتاجنا المعرفي القديم والحديث، ولا حتى عرضنا بجدية ومسؤولية واحترام ما طبعناه بقوت يومنا أو بدعم الدولة في هذه المناسبة أو تلك … كل الذي فعلناه أننا عرضنا في فرنسا بأموال طائلة ما يرضي فرنسا، ولن ترضى عنا فرنسا ولو أخذت الجزائر من جديد …دمتم في حفظ الله.