بقلم/ الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بأداب الزقازيق..
كان المسار الطبيعي لتاريخ العقل هو من البدء من التصورات النظرية التي تسمي”أيديولوجيا”-و هي تشكيل تصوري مجرد للعالم، أي تفسيره علي أساس نظري،في غياب العلوم القائمة علي التجريب أو التطبيق، و هو ما يسمي بمنهج التحقق العملي)و الانتهاء بالتطبيق العملي للنظريات العلمية الأساسية و هو ما يعرف بـ”التكنولوجيا”،ثم ما بعدها( و هو بصفة عامة الفهم القائم علي المنهج السلوكي،أي قياس قيمة النظريات بما قد يكون لها من نتائج عملية) .
و لكن أصحاب الاتجاهات الأصولية من كل الثقافات و البيئات يخالفون هذا المسار الطبيعي للعقلانية و يلجأون إلي النكوص و الانتكاس،و ذلك لاعتقادهم بأن هناك حقيقة واحدة هي “الحقيقة ” الحقيقية!و هم بذلك لا يعلمون أن الحقيقة علي هذا النحو هي مجرد مفهوم خيالي قائم علي افتراض معين و هو “التطابق” بين نموذج معين نطلق عليه اسم “المثال” من جهة و “الواقع” الذي يجب أن يكون تجسيدا لذلك “المثال”!
و لكن الحقيقة ليس كذلك بل نعرفها عندما نتحقق من جدواها لما جاءت هي تعبيرا عنه و تصويرا له،في سياق معين،و هو ما نطلق عليه اسم “التحقق”.
و علي ذلك فلما كانت الرؤي متعددة بتعدد الرائين فإن الحقائق أيضا تتعدد بتعدد معانيها و وظائفها و سياقاتها،و بذلك يصبح “التحقق “هو العملية التي نقوم بها لاختبار مدي صدق افتراضاتنا تجريبيا،فإن ثبُتت صحتها،و إلا تجاوزناها إلي غيرها من الافتراضات.
و ذلكم هو مفهوم “العقل” كما ينبغي له،لا كما نعتقده نحن خطأً.
و الآن:أصبح من المؤكد أن كل الأصوليين ضالون مضلون؛ماداموا يرون أن الحقيقة واحدة و أن علي الجميع إدراكها بالطريقة نفسها و من ثَم إحرازها؟!
و لكن الحقيقة هي أنه لا وجود لحقيقة واحدة ثابتة،و من هنا لا حجة لكل ذي نزعة أصولية في تفسير الحقيقة بأي حال من الأحوال.












