بقلم : أ . د . بومدين جلالي
البيِّضُ مدينةٌ / ولاية / منطقة جزائرية لها قيمتها العظيمة في تاريخ الجهاد الجزائري، كما لها وزنها الكبير في القيم الجليلة التي تأسس بها ومنها المجتمع الجزائري …
لذا؛ تراها متواجدة بجلال وجمال في أخبار الإخباريين، وقصائد الشعراء، وتحقيقات الإعلاميين، ومؤلفات الرحالين، ومراسلات الإداريين والعسكريين، ومعاينات الأنتروبولوجيين والمؤرخين، ووقفات المستشرقين الباحثين عن بعض تميزها بحق وصدق، وغير ذلك من اهتمامات العديد من الشخصيات البارزة التي كتبت عنها أو مرّتْ بها لأنها تستحق تقدير الكتابة وتقدير المرور برغم موقعها البعيد عن الطرق العادية التي مرّ بها الناس في أزمنتهم المختلفة وظروفهم المتعددة …
تقع هذه المدينة التي تأسست في منتصف القرن التاسع عشر فقط في الهضاب العليا الغربية الجزائرية، وبالضبط في تلاقي السهوب بسلسلة الأطلس الصحراوي، وهي جذابة بموروثها البدوي الرائع مشخّصاً في فروسيتها وكرمها ومختلف عاداتها القادمة من جذور مسارات أهلها، وهي جميلة بانسجامها مع محيطها البيئي المنماز وتشاكلها الاجتماعي الممتاز، وهي أنيقة ببساطتها المعقدة جدا ووضوحها الغامض جدا جدا …
ولعل هذه الأمور المتوازية المتقاطعة المتداخلة المتفاصلة معاً هي التي جعلت أفئدة من الناس تهوي إليها بإعجاب، ومن هذا المنظور لقد ارتأيت أن أقترح عليكم بعض المشاهير الذين وصلوا إليها فكتبوا أو قالواعنها شيئاً ما أو تركوا في بعض سكّانها أثراً لا يُمحَى بين عشية وضحاها …
وإليكم الشخصيات المختارة بحسب تاريخ الزيارة :
1 – القاص الفرنسي غي دي موباسان Guy de Maupassant … كان ذلك في 1881 … زار مدينة البيض مراسلا لجريدة تسمّى “الغولوا / Le Gaulois” من أجل تغطية ثورة الشيخ بوعمامة وفق منظوره الموالي لدولته الاستعمارية … وقد نشر في الجريدة المذكورة ذات الطابع البورجوازي عدة مقالات عن منطقة البيض المتمردة عن الكولونيالية الفرنسية … مع الإشارة إلى أن هذه الجريدة ظلت تصدر إلى غاية 1929 ثم اندمجت مع جريدة ” لوفيغارو / Le Figaro “.
2 – الروائي الفرنسي صاحب روايات الخيال العلمي جول فارن Jules Verne … كان ذلك في 1886 … وقد عبَرَ منطقة البيض في منطاد هوائي يوم 8 جويلية وهو يحمل موقفا مساندا للاستعمار فوصف المدينة الصغيرة عصرئذ من منظر جوي كما وصف جبالها والقصور الجنوبية مثل استيتن والغاسول وبريزينة وهو في طريقه إلى الصحراء … وقد ذكر هذا في مؤلفه الاستثنائي :
“” روبور-الفاتح / Robur – le- Conquérant “”
3 – السادة خلفاء الطريقة التجانية الصوفية، الشيوخ الأفاضل : سيد البشير، ثم سي علال، ثم سي محمد الكبير، ثم سي محمود، ثم سي الطيب … كان ذلك من 1896 إلى مابعد الثورة التحريرية في النصف الثاني من القرن 20 م … وكانت الزيارات تقع دائما في شهر أكتوبر وهم في الطريق إلى بوسمغون وما جاورها بهدف اللقاء مع مريدي التجانية في المنطقة كلها والمساهمة في تثبيت الناس على دينهم الذي حاربته فرنسا برؤيتها الصليبية للمجتمع الجزائري المسلم.
4 – فضيلة الإمام المصلح العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين … كان ذلك في 1933 … وقد استقبله في المسجد العتيق الشيخ الإمام الحاج الطيب البداوي حسيني والشيخ الإمام الحاج بحوص بونوة … وحينها قال ابن باديس كلمته الشهيرة : “” عندما أرى هذه الجبال أشم رائحة البارود “” في إشارة منه إلى ثورات المنطقة ضد الاستعمار الفرنسي، وترتب عن تلك الزيارة تأسيس فرع لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وقيام حركة إصلاحية واسعة ساهمت في المحافظة على الشخصية الوطنية وتحضير المجتمع المحلي للثورة التحريرية الكبرى.
5 – فضيلة الإمام العلامة الشيخ الرفاعي خادم الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة … كان ذلك في 1938 … وقد مر ببدو في السهوب وهو في طريقه إلى البيض فأكرموه ولكنه رأى أن طهْي الشاي عندهم يحدث بإشعال النار في فضلات الغنم فتوجس خيفة من إمكانية تأثر الشاي برائحة الفضلات المحترقة حتى قال له أحدهم : “” أبداً، لا يمكن أن يتأثّر الحُرُّ بالبرهوش (اللقيط)”” ، وحين لقائه بالناس في مسجد القوارير بقلب مدينة البيض أخبرهم بهذه القصة وربطها بتمسك الشعب الجزائري بدينه وهويته رغم ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي البرهوش من جرائم في الجزائر المسلمة.
6 – الكاتب الفرنسي المسيحي روجي ديفولي Roger Duvollet … كان ذلك من 1940 إلى 1945 … وقد جاء إلى مدينة البيض مبشرا بدينه تحت الغطاء الاستعماري لإخراج المسلمين من دينهم – ولم يحقق أي نجاح في مهمته – كما جاء كاتبا مهتما بالطبيعة والأنتروبولوجيا وغيرهما… كان يجيد اللغة العربية وله مؤلفات عديدة باللغة الفرنسية تخص منطقة البيض وعموم الصحراء الجزائرية، منها : ” شعاع شمس من الجزائر والصحراء / Rayon de soleil de l’Algérie et du Sahara “.
7 – الزعيم مصالي الحاج مؤسس حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية … كان ذلك في 1947 … وقد زار البيض مدينة ومنطقة – أين كان له أنصار كثُر من الوطنيين – مساندة لمرشحه الأستاذ باقي بوعلام في الانتخابات، وتعميقا للنضال الوطني في الأوساط الشعبية الجزائرية التي قدمت ماعليها سنوات قليلة بعد ذلك حين قيام الثورة التحريرية المجيدة.
وتبقى قائمة الزوار مفتوحة لأن الإخباريات تروي مشافهة وكتابة مرور أسماء بارزة أخرى مثل المستشرقة الباحثة ماتيا غودْرِي والمستشرقة المبدعة إيزابيل إيبرْهارتْ وغيرهما من حملة الحرف في لغات عديدة واختصاصات متنوعة، وهو ما يدعو مثقفي الحاضر والمستقبل – من أهل مدينة البيض ومحبيها خاصة – إلى الانطلاق في بحوث واسعة خاصة بهذا الموضوع وسواه بغية توسيع دائرة تاريخ المنطقة المدوّن أكاديميا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ