“مليون زائر في طنطا.. إيمان ولا عادة؟ حكاية مولد السيد البدوي”

"مليون زائر في طنطا.. إيمان ولا عادة؟ حكاية مولد السيد البدوي"
"مليون زائر في طنطا.. إيمان ولا عادة؟ حكاية مولد السيد البدوي"

“مليون زائر في طنطا.. إيمان ولا عادة؟ حكاية مولد السيد البدوي”


بقلم / أ طارق موسي

تمهيد عقائدي: قبل كل شيء، يجب أن نؤكد أن الإسلام لا يقبل الشرك بأي صورة، وأن التوحيد الخالص لله هو جوهر العقيدة. فلا وساطة بين العبد وربه، ولا قداسة تُرفع فوق حدود البشر، وكل ما يتجاوز هذا الإطار مرفوض نصًّا وروحًا.

1. عن التصوف: التصوف في جوهره ليس خرافة ولا مظهرًا طقوسيًا فقط، بل هو محاولة لتطهير القلب من شوائب الدنيا، والسعي إلى الإحسان كما قال النبي ﷺ: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.” وقد مرّ التصوف بمراحل: من الزهد النقي في القرون الأولى، إلى الطرق والتنظيمات التي أضافت أورادًا وأذكارًا وأحيانًا طقوسًا بعيدة عن الأصل، لكنها ظلّت تحاول الإمساك بجوهر التجربة الروحية.

2. السيد أحمد البدوي: ولد في فاس، ثم استقر في طنطا في القرن السابع الهجري، وأصبح أحد أعلام التصوف في مصر. رمزه كان الستر والعبادة والخلوة، لا المظاهر ولا الأتباع. لكن بمرور الزمن، تحول مقامه إلى مزار ضخم ومركز روحي يجتمع فيه الناس من أنحاء مصر وخارجها.

3. المولد بين الروح والواقع: اليوم، يحتشد ما يقارب مليون زائر في مولد السيد البدوي كل عام. وفي المولد ترى مصر كلها: دراويش يرقصون على أنغام الذكر، وأسرًا تبحث عن البركة، وتجارًا يبيعون البضائع والحلوى، وأطفالًا يلهون، ومطربين شعبيين يملأون الليل صخبًا. هو مزيج غريب من الروحانية والفرجة، الإيمان والعادة، الدين والتجارة.

4. الدور الاقتصادي والسياحي: المولد لم يعد طقسًا دينيًا فقط، بل حدثًا اقتصاديًا كبيرًا. فنادق تمتلئ، وباعة ينتشرون، وحركة بيع وشراء لا تهدأ. كثير من الأسر تعتمد على هذه الأيام كموسم رزق سنوي. كما أن للمولد بعدًا سياحيًا يُسهم في تعريف الزائرين بجمال المدينة وروحها الشعبية.

5. التساؤل المشروع: ومع هذا الزخم الكبير، هل اتخذت محافظة الغربية ومدينة طنطا ما يلزم من إجراءات لتنظيم هذا الحدث؟ هل هناك خطط واضحة لتأمين الصحة العامة، والمواصلات، والنظافة، ومرور السيارات، وانتشار رجال الشرطة والإسعاف؟ وهل يمكن تحويل هذا المولد من مناسبة شعبية عشوائية إلى مهرجان منظم يحفظ الروح ويصون الجسد؟

ختامًا: يبقى مولد السيد البدوي مرآة تعكس روح المصريين؛ فيه طهارة النية، وفيه أيضًا ما يحتاج إلى تصحيح. فإن استطعنا أن نُبقي على الجوهر — محبة الله ورسوله وأوليائه الصالحين — وننقيه من الشوائب، فسنكون قد ربحنا الدين والدنيا معًا.