الاحتفال بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية *
بقلم : الداعية الإسلامية : م . / بهيرة خيرالله..
- عيد الميلاد المجيد هو اليوم الذي يحتفل فيه المسيحيون بذكري مولد المسيح عيسي ابن مريم عليه السلام . وقد وردت قصة عيد الميلاد في أناجيل لوقا ومتَّى ؛ ولكن لم يذكر الكتاب المقدس تاريخ الميلاد علي وجه التحديد وإن درج في التقليد الكُنسي على اعتباره في منتصف الليل. ولم يتم الإحتفال به في المسيحية المبكرة ، وأول احتفال به كان عام 336 م في روما . ويبدأ من ليلة 25 ديسمبر وينتهي فى 7 يناير لاختلاف التقويمين اليولياني الروماني القديم ( تقويم يوليوس قيصر الذي أدخله إلى روما عام 46 قبل الميلاد ) ، وظل هكذا فى العصور الوسطي ، والتقويم الغريغوري المُعَدل الذي بدأ فى القرن السابع عشر الميلادي ( أيام حكم البابا جريجوري بابا روما ) ، والفارق بين التقويمين ثلاث عشر يومًا ، فصارالاحتفال عند المسيحيين الغربيين يوم 25 ديسمبر ويـسـمى عيد “الكريسماس” ، وعند المسيحيين الشرقيين وأقباط مصر يوم 7 يناير ويسمي ” عيد الميلاد المجيد ” .
- هذا والاحتفال به قديم ومذكور في كتب التاريخ ، فإن مسيحيي فلسطين ومـــــا جاورها يجتمعون ليلة عيد الميلاد في ( بيت لحم ) المدينة التي ولد فيها المسيح ـ عليه السلام ـ لإقامة قداس منتصف الليل ، في أقرب يوم أحد لـيـوم (30 نوفـمـبـر) وهــــو عيد القديس “أندراوس” أحد حواري السيد المسيح الإثني عشر ، وهو أول أيام القدوم ـ قدوم عيسى عليه السلام ـ كما يعتقدون ، ويصل العيد ذروتـه بإحياء قداس منتصف الليل ؛ حيث تزين الكنائس ويغني النّاس أغاني عيد الميلاد وينتهي مـوســـــــم العيد في (6 يناير). وفي مصر قال المقريزي: “وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومـصـــــر وسائر إقليم مصر جليلاً ، تباع فيه الشموع المُزهرة وكانوا يسمونها الفوانيس” .
- وصار الاحتفال له مظاهر إجتماعية تتسم بالبهجة والسرور والتزاور وتبادل الهدايا وتزيين الشوارع والبيوت وأشجار الصنوبر بالشموع المُضيئة والشرائط المُلونة والألعاب والهدايا ، وهي ما تسمي بـ “شجرة عيد الميلاد” كرمز للحياة الأبدية ورمزاً للنور مع المسيح ، وجعلوا ” بابا نويل” أو سانتا كلوز رمزًا لتقديم الهدايا لأطفالهم لبث الفرح والسعادة ومحبة المسيح في قلوبهم .
- ونظرًا لحميمية الترابط والتلاحم بين المصريين مسلمين ومسيحيين ، فإن أكثر المسلمين فى مصر يحتفلون بعيد الميلاد المجيد إحتفالا إجتماعيا يُعبرون فيه عن المودة وحسن التعامل مع شركاء الوطن ، مما أثار حفيظة أعداء الوطن الذين يريدون الوقيعة بينهم ، وأبرز خلافاً فقهياً حول مشروعية المُشاركة الإجتماعية فى الإحتفال وإظهار الفرح والسرور ، وهل يجوز للمسلم أم يَحْرُم عليه ؟ وظهرت الفتاوي من المُنتسبين إلي السلفية المعاصرة بتحريم مشاركة المسلمين الإحتفال بعيد الميلاد والأعياد الدينية عند أهل الكتاب من باب أنه تشبه بهم ، وأنه يهدم الهوية الإسلامية ، وأنه غالبا ما يُخالطه ارتكاب المُنكرات من شرب الخمر والإختلاط بين الرجال والنساء ، وكذلك أنه لم يثبت عن النبي ولا الصحابة أنه احتفل بعيد الميلاد المجيد ، فكان الأصل هو المنع .
- في حين رأي الفقهاء المُعاصرون المُعتدلون ، ودار الأفتاء المصرية : أنه يجوز الإحتفال بعيد الميلاد المجيد إحتفالا إجتماعيا إذا لم يخالطه أعمال فسق وخروج عن ضوابط الشريعة ، وحُجتهم قوله تعالي : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [ الممتحنة ] ، فهو نوعٌ من أنواع البِّر والإحسان ؛ وأن جمهور الفقهاء فى المذاهب الأربعة يرون مشروعية إجابة غير المسلم فى دعوته إلي الولائم التي لا يخالطها محظور لقوله تعالي : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ المائدة:5] ، وهذه من المشاركة الاجتماعية التي فيها مراعاة لحقوق الأخوة الإنسانية ومبدأ التعايش ، وحق الجوار والوحدة الوطنية ، وليس تخليط فى الدين .
- كما أن المسلمين يؤمنون بأنبياء الله ورسله كلهم ويفرحون بأيام ولادتهم شكرًا لله علي نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة ، وأيام ولادتهم سلامٌ علي العالمين ، كما قال تعالي علي لسان عيسي – عليه السلام – : { وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} [مريم] ، وميلاده عليه السلام في حد ذاته مُعجزة ، فالإحتفال به مشروع لا حُرمَة فيه ؛ وقد احتفل النبي – صلي الله عليه وسلم – بيوم نجاة موسي – عليه السلام – من فرعون بالصيام يوم عاشوراء ، وقال النبي – صلي الله عليه وسلم- عن عيسي : ( أنا أولي الناس بعيسي ابن مريم فى الدنيا والآخرة ، ليس بيني وبينه نبي ) ، فهو- صلي الله عليه وسبم- بشارةُ عيسي ببعثته ، كما جاء فى قوله تعالي : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }[ الصف:6] .
نسأل الله تعالي أن يثبتنا علي دينه وعلي شريعته السَّمحة ، وأن يجعل مصرنا أمناً وأماناً وسائر بلاد المسلمين … اللهم آمين يا رب العالمين .













اترك رد
View Comments