…
بسمه_العزابي
كان سلامة شاباً خارق الذكاء، شاهد بنفسه مقتل والده بيد اليهود وهو في الخامسة عشرة من عمره، وعاش مثل آلاف الفلسطينيين في مخيم بائس يفتقر إلى المياه والكهرباء، وفي نابلس أكمل تعليمه وكان دائماً من المتفوقين، وبعدما حصل على الثانوية العامة بتفوق، حصل على منحة للدراسة بالجامعة الأميركية في بيروت، التي كانت مجتمعاً لكبار المثقفين الفلسطينيين، وتخرج في الجامعة مهندساً ليلتقي بياسر عرفات الذي كان أسس منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد هذا اللقاء تبدلت حياته كلها، إذ شغل منصب قائد القوة 17، ثم رئيس المخابرات الفلسطينية «رصد» ورئيس العمليات في منظمة أيلول الأسود التي دوّخت إسرائيل بعملياتها الفدائية المذهلة.
استغل سلامة ذكاءه الشديد في تعقّب الخونة والجواسيس الذين يُزرعون بين صفوف المقاومة، وتمكّن من كشف عشرين منهم خلال فترة وجيزة، وحصل على دورات تدريبية على أيدي رجال المخابرات المصرية، وعشق مطاردة عملاء الموساد أينما كانوا، وأفلت مرات ومرات من محاولات فاشلة لاغتياله، وبعدما جاءه البلاغ عن وجود طبيبة عربية متطوّعة تعمل لصالح الموساد في بيروت، كانت أمامه بعد ثلاثة أيام قائمة طويلة تضم أسماء 37 طبيبة، أربعة منهن فحسب حصلن على شهاداتهن العلمية من جامعات النمسا، وكن جميعاً آنسات إحداهن بالطبع كانت أمينة داود المفتي.
الرسالة الأخيرة
والى أن يصل التقرير الحاسم من أوروبا، أمر سلامة بوضع الممرضات الأربع تحت المراقبة الصارمة طوال الأربع والعشرين ساعة، كان السباق محموماً للوصول إلى الحقيقة بأسرع ما يمكن، وبينما الطقس مشحون بالشكوك والترقب، أحست أمينة بعيني الجاسوسة المدربة، بأن هناك عيوناً ترصدها، ولا تترك لها مساحة من الحرية لتتحرك بيسر كما اعتادت دائماً، وأول ما فكرت فيه هو التخلص من جهاز اللاسلكي، دليل الإدانة الذي سيقدمها إلى حبل المشنقة، فبثت رسالتها الأخيرة إلى الموساد: (آر. كيو. أر. هناك من يراقبني ليل نهار منذ الأمس.. أنا خائفة ومرتبكة.. سأموت رعباً.. أفيدوني.. شالوم)، وبعد أقل من نصف الساعة جاءها الرد يقول: (ضعي الجهاز بسلة قمامة الشقة العلوية.. احرقي الشفرة.. غادري بيروت بهدوء إلى دمشق بطريق البر.. ستجدين رسالة بمقهى الشام)، تنفست أمينة الصعداء، وشرعت فوراً في تنفيذ أوامر رؤسائها.